05جـ الكون كتاب مفتوح لكل قارئ له ومتدبر فيه
إن الارض التى يعيش عليها الانسان وغيره من المخلوقات هى جزء ضئيل جدا في ملكوت الله، بل هى ذرة أول أو أقل في عالم الاكوان الذى هو مجموعات هائلة من مجرات هائلة ونجوم لا حصر لعددها ولا نهاية لامتدادها خلقها الله سبحانه بقدرته وإرادته، وأوجد فيها أنواعا شتى من مخلوقاته، ودبر أمورها تدبيرا محكما قائما على العدل والرحمة والاحسان والاتقان لانه جل جلاله لم يخلقها عبثا بل أوجدها لحكمة عليا أرادها هى معرفة عباده له وواجب عبادته وحده.
وقد شاءت إرادة الله أن يجعل هذا الكون العجيب كتابا مفتوحا يقرأه كل من يتأمله ويتدبره بعين العقل والفكر والوجدان ليتضح أماما بصيرته ما فيه من روعة وجمال وبهاء وما أودعه الله في نظامه الدقيق من قوانين ونواميس تحكمة وتنظمه، وقد اجتهد في قراءة صحف هذا الكتاب الكونى علماء مفكرون وباحثون ملهمون وخبراء متخصصون استطاعوا مع طول الدرس والبحث أن يكشفوا في عصورنا الحديثة عن كثير من أسرار الكون في ضوء العلوم التى وضعوا قواعدها في الطب والفلك والرياضيات والكيمياء والجيولوجيا والهندسة والتكنولوجيا وعلوم الانسان والحيوان والنبات والحشرات وغير ذلك من مختلف العلوم التى هدى الله بها الانسان أن يتعلم ما لم يعلم من علم الله الواسع في ملكوت السماوات والارض.
وقد نزل في كثير من آيات القرآن إشارات إلى العلوم الكونية وغيرها مما تمكن الانسان بواسطتها أن يصل إلى معرفة قوانينها وقواعدها ونظرياتها بعد نزول القرآن بعدة قرون، وكان من فضل الله على الناس أنه وجه أنظارهم إلى الكون ليدرسوه ويتعرفوا على ما جاء في الآيات القرآنية عن حقائق عنه، وقد استطاع أولو الالباب من العلماء أن يلمسوا الصلة الوثيقة بين ما أوحى به القرآن من قبل وما كشف عنه العلم من بعد وما تأكد من سبق القرآن بأكثر من أربعة عشر قرنا بهذه المعلومات عن الكون وما فيه وأنها في جوهرها تتفق مع العلم الحديث الصحيح في معظم نظرياته التى انتهى من إقرارها بعد ثبوتها.
وفيما يلى عرض لمختلف الآيات الكونية وغيرها، وكل آية منها مفسرة أولا تفسيرا يتفق مع وجهة نظر علماء الدين، وثانيا مفسرة تفسيرا عصريا يتمشى مع الآراء العلمية التى ثبتت صحتها، وزيادة في توثيق الصلة بين النص القرآنى والعلوم الحديثة وتوافقهما أضفت فقرات موجزة لبعض النظريات العلمية المؤيدة للقرآن مع شرح مبسط لها.